فصل: تفسير الآيات (1- 3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.سورة الشرح:

.تفسير الآيات (1- 4):

{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)}
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} هذا لصدره توقيف معناه إثبات شرح صدره صلى الله عليه وسلم وتعديد ما ذكر بعده من النعم، وشرح صدره صلى الله عليه وسلم هو اتساعه لتحصيل العلم، وتنويره بالحكمة، والمعرفة، وقيل هو شق جبريل لصدره في صغره، أو في وقت الإسراء حين أخرج قلبه وغسله {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} فيه ثلاثة أقوال: الأول: قول الجمهور أن الوزر الذنوب. ووضعها هو غفرانها هو كقوله: {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] وهذا على قول من جوّز صغائر الذنوب على الأنبياء، أو على ذنوبه كانت قبل النبوّة، الثاني: أن الوزر هو أثقال النبوة وتكاليفها، ووضعها على هذا هو إعانته عليها، وتمهيد عذره بعد ما بلغ الرسالة، الثالث: أن الوزر هو تحيره قبل النبوة، إذ كان يرى أن قومه على اضلال، ولم يأته من الله أمر واضح فوضعه على هذا هو بالنبوّة والهدى للشريعة {الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} عبارة عن ثقل الوزر المذكور وشدته عليه، قال الحارث المحاسبي: إنما وصفت ذنوب الأنبياء بالثقل، وهي صغائر مغفرة لهم لهمّهم بها وتحسرهم عليها، فهي ثقيلة عندهم لشدة خوفهم من الله، وهي خفيفة عند الله، وهذا كما جاء في الأثر: «إن المؤمن يرى ذنوبه كالجبل يقع عليه، والمنافق يرى ذنوبه تطير كالذبابة فوق أنفه» واشتقاق أنقض ظهرك من نقض البنيان وغيره، أو من النقيض وهو الصوت فكأنه يسمع لظهره نقيض كنقيض ما يحمل عليه شيء ثقيل.
{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} أي نوّهنا باسمك وجعلناه شهيراً في المشارق والمغارب، وقيل: معناه اقتران ذكره بذكر الله في الأذان والخطبة والتشهد. وفي مواضع من القرآن، وقد روي في هذا حديث أن الله قال له؛ إذا ذكرت ذكرت معي. فإن قيل: لم قال لك ذكرك ولك صدرك مع أن المعنى مستقل دون ذلك؟ فالجواب أن قوله: لك يدل على الاعتناء به والاهتمام بأمره.

.تفسير الآيات (6- 8):

{إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}
{إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً} هذا وعد لما يُسّرَ بعد العسر، وإنما ذكره بلفظ مع التي تقتضي المقاربة ليدل على قرب اليسر من العسر، فإن قيل: ما وجه ارتباط هذا مع ما قبله؟ فالجواب: أنه صلى الله عليه وسلم كان بمكة هو وأصحابه في عسر من إذاية الكفار ومن ضيق الحال ووعده الله باليسر، وقد تقدم تعديد النعم تسلية وتأنيساً، لتطيب نفسه ويقوي رجاؤه كأنه يقول: إن الذي أنعم عليك بهذه النعم سينصرك ويظهرك ويبدّل لك هذا العيسر بيسر قريب، ولذلك كرر إن مع العسر يسرا مبالغة، وقال صلى الله عليه وسلم: لن يغلب عسر يسرين وقد روي ذلك عن عمر وابن مسعود وتأويله أن العسر المذكور في هذه السورة واحد، لأن الألف واللام للعهد كقولك: جاءني رجل فأكرمت الرجل. واليسر اثنان لتنكيره وقيل: إن اليسر الأول في الدنيا والثاني في الآخرة {فَإِذَا فَرَغْتَ فانصب} هو من النصب بمعنى التعب، والمعنى إذا فرغت من أمر فاجتهد في آخر ثم اختلف في تعيين الأمرين فقيل: إذا فرغت من الفرائض فانصب في النوافل وقيل: إذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء. وقيل: إذا فرغت من شغل دنياك فانصب في عبادة رب {وإلى رَبِّكَ فارغب} قدم الجار والجرور ليدل على الحصر أي لا ترغب إلا إلى ربك وحده.

.سورة التين:

.تفسير الآيات (1- 3):

{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)}
{والتين والزيتون} فيها قولان: الأول أنه التين الذي يؤكل والزيتون الذي يعصر أقسم الله بهما لفضيلتهما على سائر الثمار. روي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل مع أصحابه تيناً فقال: لو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه، لأن فاكهة الجنة بلا عَجم فكلوه فإنه يقطع البواسير وينفع من النقرس» وقال صلى الله عليه وسلم: «نعم السواك الزيتون فإنه من الشجرة المباركة هي سواكي وسواك الأنبياء من قبلي».
القول الثاني: أنهما موضعان ثم اختلف فيهما فقيل هما جبلان بالشام أحدهما: بدمشق ينبت فيه التين والآخر بإيلياء ينبت فيه الزيتون فكأنه قال ومنابت التين والزيتون وقيل التين مسجد دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس، وقيل التين مسجد نوح والزيتون مسجد إبراهيم، والأظهر أنهما الموضعان من الشام وهما اللذان كان فيهما مولد عيسى ومسكنه، وذلك أن الله ذكر بعد هذا الطور الذي كلم عليه موسى والبلد الذي بعث منه محمد صلى الله عليه وسلم فتكون الآية نظير ما في التوراة: «أن الله تعالى جاء من طور سيناء وطلع من ساعد وهو موضع عيسى وظهر من جبال باران» وهي مكة وأقسم الله بهذه المواضع التي ذكر في التوراة لشرفها بالأنبياء المذكورين {وَطُورِ سِينِينَ} هو الجبل الذي كلم عليه موسى وهو بالشام، وأضافه الله إلى سينين ومعنى سينين مبارك فهو من إضافة الموصوف إلى الصفة، وقيل: معناه ذو الشجر واحدها سينة، قاله الأخفش وقال الزمخشري: ويجوز أن يعرب إعراب الجمع المذكر بالواو والياء وأن يلزم الياء وتحريك النون بحركات الإعراب {وهذا البلد الأمين} هو مكة باتفاق والأمين من الأمانة أو من الأمن لقوله: {اجعل هذا بَلَداً آمِناً} [البقرة: 126].

.تفسير الآيات (4- 8):

{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)}
{لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} فيه قولان: أحدهما أن أحسن التقويم هو حسن الصورة وكمال العقل والشباب والقوة وأسفل سافلين الضعف والهرم والخوف فهو كقوله تعالى: {وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الخلق} [يس: 68] وقوله: {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} [الروم: 54] وقوله: {إِلاَّ الذين آمَنُواْ} بعد هذا غير متصل بما قبله، والاستثناء على هذا القول منقطع بمعنى لكن لأنه خارج عن معنى الكلام الأول. والآخر أن حسن التقويم: الفطرة على الإيمان وأسفل سافلين الكفر أو تشويه الصورة في النار، والاستثناء على هذا متصل، لأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لم يردوا أسفل سافلين {غَيْرُ مَمْنُونٍ} قد ذكر {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بالدين} فيه قولان: أحدهما: أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والدين شريعته، والمعنى أي شيء يكذبك الدين بعد هذه الدلائل التي تشهد بصحة نبوّتك؟ والآخر أنه خطاب للإنسان الكافر، والدين على هذا الشريعة أو الجزاء الأخروي ومعنى يكذبك على هذا يجعلك كاذباً، لأن من أنكر فهو كاذب والمعنى أي شيء يجعلك كاذباً بسبب كفرك بالدين بعد أن علمت أن الله خلقك في أحسن تقويم، ثم ردّك أسفل سافلين، ولا شك أنه يقدر على بعثك كما قدر على هذا، فلأي شيء تكذب بالبعث والجزاء؟ ولا شك أنه يقدر على بعثك كما قدر على هذا، فلأي شيء تكذب بالعبث والجزاء؟ {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين}؟ تقرير ووعيد للكفار بأن يحكم عليهم بما يستحقون، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأها قال: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين.

.سورة العلق:

.تفسير الآيات (1- 5):

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}
{اقرأ باسم رَبِّكَ} فيه وجهان: أحدهما: أن معناه اقرأ القرآن مفتتحاً باسم ربك، أو متبركاً باسم ربك، وموضع باسم ربك نصب على الحال ولذا كان تقديره: مفتتحاً، فيحتمل أن يريد ابتدأ القراءة بقول: بسم الله الرحمن الرحيم أو يريد الابتداء باسم الله مطلقاً، والوجه الثاني أن معناه اقرأ هذا اللفظ وهو باسم ربك الذي خلق فيكون باسم ربك مفعولاً وهو المقروء {الذي خَلَقَ} حذف المفعول لقصد العموم كأنه قال: الذي خلق كل شيء، ثم خصص خلقة الإنسان لما فيه من العجائب والعبر، ويحتمل أنه أراد الذي خلق الإنسان كما قال: {الرحمن * عَلَّمَ القرآن * خَلَقَ الإنسان} [الرحمن: 13] ثم فسره بقوله: {خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ} والعلق جمع علقة، وهي النطفة من الدم والمراد بالإنسان هنا جنس بني آدم، ولذلك جمع العلق لما أراد الجماعة ولم يدخل آدم في الإنسان هنا لأنه لم يخلق من علقة وإنما خلق من طين {اقرأ وَرَبُّكَ الأكرم} كر الأمر بالقراءة تأكيداً والواو للحال والمقصود تأنيس النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يقول: أفعل ما أمرت به فإن ربك كريم. وصيغة أفعل للمبالغة {الذى عَلَّمَ بالقلم} هذا تفسير للأكرم فدل على أن نعمة التعليم أكبر نعمة، وخص من التعليمات الكتابة بالقلم لما فيها من تخليد العلوم ومصالح الدين والدنيا، وقرأ ابن الزبير: علم الخط بالقلم {عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ} يحتمل أن يريد بهذا التعليم لكل شيء على الاطلاق، وقيل: لأن الإنسان هنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والأظهر أنه جنس الإنسان على العموم.

.تفسير الآيات (6- 10):

{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10)}
{كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى} نزل هذا وما بعده إلى آخر السورة في أبي جهل بعد نزول صدرها بمدة، وذلك أنه كان يغطى بكثرة ماله ويبالغ في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم، وكلا هنا يحتمل أن تكون زجراً لأبي جهل أو بمعنى حقاً أو استفتاحاً {أَن رَّآهُ استغنى} في موضع المفعول من أجله، أي يطغى من أجل غناه. والرؤية هنا بمعنى العلم، بدليل إعمال الفعل في الضمير، ولا يكون ذلك إلا في أفعال القلوب، والمعنى رأى نفسه استغنى واستغنى هو المفعول الثاني {إِنَّ إلى رَبِّكَ الرجعى} هذا تهديد لأبي جهل وأمثاله {أَرَأَيْتَ الذي ينهى * عَبْداً إِذَا صلى} اتفق المفسرون أن العبد الذي صلى هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الذي نهاه أبو جهل لعنه الله، وسبب الآية «أن أبا جهل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في المسجد الحرام فهم أن يصل إليه ويمنعه من الصلاة» وروي أنه قال: «لئن رأيته يصلي، لأطأنّ عنقه، فجاءه وهو يصلي ثم انصرف عنه مرعوباً فقيل له: ما هذا؟ فقال: لقد اعترض بيني وبينه خندق من نار وهول وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً».

.تفسير الآيات (11- 14):

{أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)}
{أَرَأَيْتَ إِن كَانَ على الهدى * أَوْ أَمَرَ بالتقوى} أرأيت في الموضوع الذي قبله والذي بعده بمعنى: أخبرني؛ فكأنه سؤال يفتقر إلى جواب وفيها معنى التعجيب والتوقيف والخطاب فيها يحتمل أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم، أو لكل مخاطب من غير تعيين، وهي تتعدى إلى مفعولين وجاءت بعدها إن الشرطة في موضعين وهما قوله: {إِن كَانَ على الهدى} وقوله: {إِن كَذَّبَ وتولى} فيحتاج إلى كلام في مفعولي أرأيت في المواضع الثلاثة، وفي جواب الشرطين وفي الضمائر المتصلة بهذه الأفعال، وهي إن كان على الهدى، وأمر بالتقوى وكذب وتولى، على من تعود هذه الضمائر؟ فقال الزمخشري: إن قوله الذي ينهى هو المفعول الأول لقوله: أرأيت الأولى وأن الجملة الشرطية بعد ذلك في موضع المفعول الثاني، وكررت أرأيت بعد ذلك للتأكيد فهو زائدة لا تحتاج إلى مفعول وإن قوله: ألم يعلم بأن الله يرى هو جواب قوله: إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى للذي نهى عن الصلاة وهو أبو جهل، وكذلك الضمير في قوله إن كذب وتولى وتقديره الكلام على هذا: أخبرني عن الذي ينهى عبداً إذا صلى، إن كان هذا الناهي على الهدى أو كذب وتولى؟ ألم يعلم بأن الله يرى جميع أحواله من هداه وضلاله وتكذيبه ونهيه عن الصلاة وغير ذلك؟ فمقصود الآية تهديد له وزجر وإعلام بأن الله يراه.
وخالفه ابن عطية في الضمائر فقال: إن الضمير في قوله: إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى للعبد الذي صلى، وأن الضمير في قوله: إن كذب وتولى للذي نهى عن الصلاة، وخالفه أيضاً في جعله أرأيت الثانية مكررة للتأكيد وقال: إنها في المواضع الثلاثة توقيف وأن جوابه في المواضع الثلاثة قوله: {أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ الله يرى} يصلح مع كل مع واحد منها، ولكنه جاء في آخر الكلام اختصاراً.
وخالفهما أيضاً الغزنوي في الجواب فقال: إن جواب قوله: إن كان على الهدى محذوف فقال: إن تقديره إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أليس هو على الحق واتباعه واجب، والضمير على هذا يعود على العبد الذي صلى وفاقاً لابن عطية.

.تفسير الآيات (15- 19):

{كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)}
{لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بالناصية} أوعد أبا جهل إن لم ينته عن كفره وطغيانه أن يؤخذ بناصيته فيلقى في النار، والناصية مقدم الرأس فهو كقوله: {فَيُؤْخَذُ بالنواصي والأقدام} [الرحمن: 41] والسفع هنا الجذب والقبض على الشيء، وقيل: هو الإحراق من قولك سفعته النار وأكد لنسفعن باللام والنون الخفيفة، وكتبت في المصحف بالألف مراعاة للوقف، ويظهر لي أن هذا الوعيد نفذ عليه يوم بدر حين قتل وأخذ بناصيته فجرّ إلى القليب {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} أبدل ناصية من الناصية، ووصفها بالكذب والخطيئة تجوزاً، والكاذب الخاطئ في الحقيقة صاحبها، والخاطئ الذي يفعل الذنب معتمداً، والمخطئ الذي يفعله بغير قصد {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} النادي والنّدي المجلس الذي يجتمع فيه الناس، وكان أبو جهل قد قال: أيتوعدني محمد فوالله ما بالوادي أعظم نادياً مني، فنزلت الآية تهديداً وتعجيزاً له، والمعنى: فليدع أهل ناديه لنصرته إن قدروا على ذلك، ثم أوعده بأن يدعو له زبانية جهنم، وهم الملائكة الموكلون بالعذاب، الزبانية في اللغة واحدهم زبنية، وقيل: زبني وفي الحديث: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو دعا نادية لأخذته الزبانية عياناً» {واسجد واقترب} أي تقرب إلى الله بالسجود كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» فاجتهدوا في الدعاء وهذا موضع سجدة عند الشافعي وليست عند مالك من عزائم السجود.

.سورة القدر:

.تفسير الآيات (1- 5):

{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر} الضمير في أنزلناه للقرآن، دل على ذلك سياق الكلام، وفي ذلك تعظيم للقرآن من ثلاثة أوجه: أحدها أنه ذكر ضميره دون اسمه الظاهر دلالة على شهرته والاستغناء عن تسميته، الثاني أنه اختار لإنزاله أفضل الأوقات، والثالث أن الله أسند إنزاله إلى نفسه وفي كيفية إنزاله في ليلة القدر قولان: أحدهما أنه ابتدأ إنزاله فيها، والآخر: أنه أنزل القرآن فيها جملة واحدة إلى السماء ثم نزل به جبريل إلى الأرض بطول عشرين سنة وقيل: المعنى أنزلناه في شأن ليلة القدرة وذكرها، وهذا ضعيف. وسميت ليلة القدر من تقدير الأمور فيها أو من القدْر بمعنى الشرف، ويترجح الأول بقوله: فيها يفرق كل أمر حكيم {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القدر} هذا تعظيم لها، قال بعضهم: كل ما قال فيه ما أدراك فقد علمه النبي صلى الله عليه وسلم وما قال فيه ما يدريك فإنه لا يعلمه {لَيْلَةُ القدر خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} معناه أن من قامها كتب الله له أجر العبادة في ألف شهر، قال بعضهم: يعني في ألف شهرة ليس فيها ليلة القدر، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» وسبب الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً ممن تقدم عبد الله ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلك ورأوا أن أعمارهم تنقص عن ذلك، فأعطاهم الله ليلة القدر وجعلها خيراً من العبادة في تلك المدة الطويلة.
وروي أن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما عوتب حتى بايع معاوية فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام بني أمية ينزون على منبره نزو القردة، وأعلمه أنهم يملكون أمر الناس ألف شهر، فاهتم لذلك، فأعطاه الله ليلة القدر وهي خير من ملك بني إمية ألف شهر، ثم كشف الغيب أنه كان من بيعة الحسن لمعاوية إلى قتل مروان الجعدي آخر ملوك بني أمية بالمشرق ألف شهر {تَنَزَّلُ الملائكة والروح فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم} الروح هنا جبريل عليه السلام، وقيل: صنف من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا تلك الليلة وتنزّلهم هو إلى الأرض، وقيل: إلى السماء الدنيا وهو تعظيم لليلة القدر ورحمة للمؤمنين القائمين فيها {مِّن كُلِّ أَمْرٍ} هذا متعلق بما قبله، والمعنى أن الملائكة ينزلون ليلة القدر من أجل كل أمر، يقضي الله في ذلك العام. فإنه روي أن الله يعلم الملائكة بكل ما يكون في ذلك العام من الآجال والأرزاق وغير ذلك، ليمتثلوا ذلك في العام كله، وقيل: على هذا المعنى أن من بمعنى الباء أي ينزلون بكل أمر، وهذا ضعيف وقيل: إن المجرور يتعلق بعده والمعنى أنها سلام من كل أمر أي سلامة من الآفات، قال مجاهد: لا يصيب أحد فيها داء.
والأظهر أن الكلام تمّ عند قوله: من كل أمر. ثم ابتدأ قوله: سلام هي، واختلف في معنى سلام؟ فقيل؛ إنه من السلام، وقيل: إنه من التحية، لأن الملائكة يسلمون على المؤمنين القائمين فيها، وكذلك اختلف في إعرابه؛ فقيل: سلام هي مبتدأ وخبر وهذا يصح سواء جعلناه متصلاً مع ما قبله أو منقطعاً عنه، وقيل: سلام خبر مبتدأ مضمر تقديره: أمرها سلام أو: القول فيها سلام. وهي مبتدأ خبره حتى مطلع الفجر أي هي دائمة إلى طلوع الفجر، ويختلف الوقف باختلاف الإعراب، وقال ابن عباس: إن قوله هي إشارة إلى أنها ليلة سبع وعشرين، لأن هذه الكلمة هي السابعة والعشرين من كلمات السورة.